علم الميتافيزيقا
إعداد: إميل سمعان
هي فلسفة تبحث في أمور الطبيعة وأسرار الكون وطبيعتها بالإضافة إلى الظواهر الغريبة والغيبية التي ليس لها أي تفسير. ويمكن القول بأنها إتجاه أدبي وفلسفي يبحث في ظواهر العالم بطريقة عقلية وليست حدسية صوفية ويمزج العقل بالعاطفة ويبتدع أساليب أدبية تجمع بين المختلف والمؤتلف من الأخيلة الفكرية والظواهر الطبيعية. ويمكن القول بأن الميتافيزيقا هو "العلم الذي يدرس الأسس الأولى أو المبادئ الأولى التي تقوم عليها المعرفة الإنسانية".
أصل الكلمة إغريقي (Meta) الذي يعني "ما وراء أو بعد" وكلمة "Physika" وتعني "الطبيعة". وتشير الكلمة إلى العلوم المختلفة عن الطبيعة والمادة في كتابات أرسطو في العصور القديمة.
يرجع لأرسطو بأنه هو أب نظرية الميتافيزيقا بالرغم من أنه لم يذكر هذا المصطلح بتاتاً في جميع مؤلفاته. بل أن الأمر حصل بالصدفة عندما كان تلاميذه يصنّفون كتبه في مكتبته الخاصة, جاء كتابه الشهير "الفلسفة الأولى" والذي يتحدث عن أسرار الكون مباشرةً بعد كتابه "الطبيعة" .... فأطلق تلاميذه إسم الميتافيزيقا على كتاب "الفلسفة الأولى". ومن هنا جاءت تسميته ما وراء الطبيعة لكل الظواهر الغريبة.
يهتم هذا العلم بجميع المسائل التي لا يمكن تصنيفها ضمن الإطار الطبيعي (الفيزيائي الواقعي) المادي. هذا ما يجعل الميتافيزيائي يتناول بدراسته الظواهر الروحية والنفسية ويدخل في مناقشة الظواهر الغريبة مثل الجن, الأشباح والتخاطر.
والميتافيزيقا كعلم له طبيعة مميزة عن باقي العلوم, إذ يقوم بمحاولة إيجاد نوع من الفهم للطبيعة الحقيقية الأولية (السبب الأول "الماهية أو الكينونة") للوجود أو العالم, بصرف النظر عما إذا كانت هذه الطبيعة مرئية أو غير مرئية؛ وذلك بطرحه للعديد من التساؤلات مثل:
هل الله موجود؟ ما طبيعة العالم ومادته وصورته؟ ما هو معنى الحياة؟ ما الهدف من وجودي؟ هل هناك جوهر واحد أم جواهر متعددة؟ إلي أين سأذهب عندما أموت؟ ما مكونات الكون الأولى التي تعد قوانينه؟ هل هناك إرادة واحدة تحرك الوجود؟
وتعلمنا الميتافيزيقا أننا نستطيع بالتفكير الفلسفي العميق والتأملي والإستنتاج العقلي أن نستخرج الإجابات على كل الأسئلة التى تحيرنا, ونكون أساس نقتنع به لتفسير طبيعة جميع الأشياء لنحصل على سلام العقل والنفس. وبالرغم من دعوة الميتافيزيقا هنا للتفكير الفلسفي والتأملي وإعمال العقل إلا أنها تدخل في نطاق "ماهيات الأشياء والكينونة". وفي رأي بعض العلماء أن العقل غير مصمم للتعامل مع مثل هذه الأمور, فلا يمكن أن نجزم مهما بلغ فكرنا وإستنتجاتنا لمعرفتنا لماهية شئ -أى شئ- دون وجود إثبات علمي له, وكما يقول علماء الفيزياء "أصمت وأحسب - Shut up and calculate" أي أن الإثبات المنطقي العلمي هو المهم إذا كنت تريد التفاسير الصحيحة. لذا, فهم لا يعترفون بالميتافيزيقا إذ يعتبرونها إستنتاجات لم تثبت صحتها ولا تقبل البرهنة بالقوانين والمعادلات العلمية، ويرون أنه من الخطأ أن نبني حياتنا على إستنتاجات قد تكون غير صحيحة حتى لو كانت تؤمن لنا الراحة وسلام العقل والنفس.
البعض يعتقد بأن الميتافيزيقا هي ديانة كونها تتكلم في الغيبيات, وتدور أسئلتها في الغيبيات, ولكن في الحقيقة هي فكر فلسفي تأملي وباحث عقلي فضولي لمعرفة "المعرفة الحقيقية" عن ماهية وجوهر الأشياء.
من هنا نرى أن الميتافيزيقا مصطلح يشير إلى المعرفة الأساسية بالموجود بوصفه موجوداً في كليته, كما أنها تبحث في الفكر والوجود والمطلق بالإضافة إلى إهتمامها بالنواحي الخارجة عن إطار الحس والمشاهدة المادية والتي لها القدرة على ترك بصماتها على الثقافة المجتمعية وخلق مفاهيم ومعتقدات تؤثر على العادات والأعراف السائدة للمجتمعات. وترتبط الميتافيزيقا بالذاكرة الجماعية للشعوب من خلال الأديان والأنظمة العقائدية والأساطير المقدسة والوقائع التي حدثت في الماضي السحيق في زمن البدايات وغالباً ما تحكي واقعاً أو خيالاً. وهي تفرض نفسها على معتنقيها من خلال نسق كامل من المعتقدات يتم توارثه عبر الأجيال بطريقين: الأول بشكل إرادي واع نتيجة للتأثير الذي يمارسه كل جيل على أفراده بواسطة التعليم والتربية, والثاني بشكل تلقائي لا إرادي ولا واع وهو ما سمي بالذاكرة الجماعية والتي يؤكد أنها هي الأساس الرابط للمجتمع. فهي تعمل على تحديد مجمل البنى التشكيلية كتنسيقات ثقافية لا واعية تعطي دلالة ومعنى لما هو أسطوري أو تاريخي أو واقع في حياة الشعوب. إنها تعطي القواعد المنظمة للعلاقات الاجتماعية والثقافية بشكل معين مستمد مما تختزنه الذاكرة الجماعية من ماضيها البعيد من بنية وجودها التاريخية اللاواعية.
ملاحظة: كما ذكرت وأذكر دائماً, بأن هدفي من الموقع ومن الكتابة هي تزويدكم بالمعلومات, هناك من يوافق وهناك من يعارض على كتاباتي وهذا منطقي جداً. ومن منطلق حرية التعبير عن الرأي وإحترام الرأي الآخر أدعوكم للكتابة والنقاش البناء للمساهمة في بناء مجتمع مثقف وحضاري.
لكل موضوع فائدة..... ومع كل فائدة متعة.....
وفي النهاية أتمنى لكم ولجميع أفراد عائلاتكم الصحة والعافية.
الأخصائي إميل سمعان
زورونا في المركز وستشعرون في التغيير