الشخصية السوية
إعداد: إميل سمعان
قبل الخوض في تعريف الشخصية السوية, بدايةً يجب علينا تعريف معنى "الشخصية" والتي لها تعريفات مختلفة وكثيرة, ولكن أكثر تعريف متفق عليه في علم الإجتماع هو:
"الشخصية مجموعة من السلوكيات والمعتقدات والأفكار والتي تعتبر طابعاً مميزاً للفرد, والتي تشكل دوافعه نحو ردود أفعاله, ومنها ما هو غالب عليه ومنها ما هو يظهر تبعاً لمؤثرات محددة".
لهذه الشخصية لها ثلاثة محاور وهي:
1 – شخصية الفرد يمكنها أن تشبه كل الناس - مثلاً يمكن لشخصيتك أن تشبه أحد أفراد عائلتك أو بلدتك أو غيرهم.
2 – أو أن تشبه بعض الناس - هنا يمكن تكوين شخصيات لفئات مختلفة مثل البحارة أو الجنود أو رجال الدين الرهبان وإلخ.
3 – أو أن لا تشبه أحداً - بأن تكون لك أفكارك وطريقتك وأسلوبك الخاص في الإدراك والشعور والسلوك. ويندرج ضمن هذه القائمة بعض الناس الذين لهم ظروف خاصة كالقزم أو اليتيم أو الشخص الذي دخل في تجربة خاصة وهزّت كيانه.
الشخصية السويّة هي الشخصية التي تتحلى ببعض الصفات لتعطيها طابعاً مقبولاً من الجميع, حيث فقدان سمة واحدة أو كلها يؤدي إلى خلل في الشخصية عموماً وتشكل عيباً يعاني منه الفرد.
فعالية الشخص السويّ وسلوكه: "يصدر عنه سلوك فعال وموجه نحو حل المشكلات, والتغلب على الضغوط ومواجهتها على نحو مباشر لتقليل تأثيرها السلبي ومن ثم منع تحولها إلى عوائق إنفعالية في حياته, ويتبنى أساليب فعالة في مواجهة التوترات والمخاوف, ويسعى إلى تحقيق أهدافه لشعوره بقيمتها وأهميتها".
كلما كانت فعالية الفرد عالية إرتقى سلوكه إلى السويّة, وعلى خلافه فإن إنخفاض الفعالية يضعف السلوك السويّ. إن المعايير الأساس للشخصية السويّة, سلوكها الفعال والمتواصل مع الآخرين يعدّه تعبيراً عن التمركز حول المجتمع والتفاعل الإيجابي مع السلوك العام الذي يتطلب قدراً من المرح وتبادل الخبرة وحسن التصرف, فالسوك الإيجابي مع الآخرين بالضرورة يعكس سلوكاً مماثلاً شريطة أن يكون الطرف الآخر ذو شخصية سوية أيضاً.
يصف (شابيرو) الشخص السويّ على: "أنه شخص فعال غير متمركز حول ذاته ويمارس دور الراشد ويكتسب توجهات أكثر تمركزاً حول المجتمع, ويتصف بالكفاءة والإنسجام والمرح, والقدرة على الإستفادة من الخبرة المكتسبة, والتواصل مع المجتمع, وقابلية على تقييم ذاته".
إن إختلال السوية مرده عوامل وراثية أو مرضية أو نفسية تصيب أجهزة الجسد فيؤثر سلباً في السلوك العام ويقلل قابلية الإستفادة من الخبرة المكتسبة, ومن ثم تقل فعالية التواصل مع الآخرين ويتمركز الفرد حول ذاته على نحو أكبر. ومع الزمن يصاب بالريبة من التواصل مع الآخرين وخشية مواجهة مشكلات يصعب حلها. ونظراً إلى تدني أهليته وخشيته التواصل مع الآخرين تقل فرص حصوله على المساعدة فيتصاعد توتره ويلجأ إلى الدفاع اللاواعي عن ذاته خلال تقليل فعاليته إلى الحدود الدنيا ومن ثم ينسحب من المجتمع ليتمركز حول ذاته لتقليل التوتر والقلق الذي ينتابه وبذلك يخفي شخصيته الحقيقية لصالح شخصية ظاهرية قلقة يتعارض سلوكها مع السلوك العام وتفرض نفسها قسراً على المجتمع.
لا يمكن أن ينسجم سلوك الشخصية السويّة مع السلوك العام للمجتمع من دون أن يكون الفرد فعالاً في إكتساب قيم المجتمع وأعرافه يعدّها خبرة يحتاج إكتسابها إلى التواصل, فكلما كانت حالة الإنسجام مع الآخرين مقبولة جرى إكتساب الخبرة على نحو أكبر.
يمكن إيجاز السمات الشخصية السويّة في الأتي:
1- تقبل الفرد لذاته: وهو شعور الفرد بالرضى عن نفسه وتقبل ذاته وحتى يحقق الفرد هذه السمة لنفسه يجب عليه أن يفعل الآتي:
أ- أن لا يتمنى لنفسه أشياء لا تسمح له قدراته بتحقيقها.
ب- أن يربط قيمه في الحياة بأهدافه.
ت- أن يشترك في وضع الخطط التعليمية والمهنية لنفسه.
ث- أن يكتسب صداقة الآخرين ويعمل على تنميتها.
ج- أن يعبر عن مشاعره تجاه الآخرين ويتعلم كيفية تقبل مشاعرهم تجاهه.
2- تقبل الآخرين للذات وتفهمهم وحبهم لها: تقبل الآخرين للفرد يزيد من ثقته بنفسه ويشبع حاجة الإنتماء لديه.
3- تقبل الذات للآخرين: حتى يكسب الفرد تقبل الآخرين له يجب أن يتقبلهم هو أيضاً.
4- الشعور بالإستقلال:الأسلوب المعتدل في تربية الطفل وجعله يتحمل مسؤولية الأعمال التي يقدر على أدائها يجعل منه إنسان مستقل قادر على إتخاذ القرار وحسن التصرف.
5- إختيار حياة العمل والإستعداد لها والدخول فيها: على الآباء الوصول مع أبنائهم إلى قرار سليم بخصوص المهنة لكي تكون ملائمة لقدرات الأبناء ومشبعة لميولهم.
6- الشعور بالكفاية لمواجه مواقف الحياة: يجب على الفرد أن ينمي إمكانياته ليكون قادراً على مواجهة مواقف الحياة المختلفة.
7- التحرر من الشعور بالذنب والخوف: إن الشعور بالذنب والخوف يضعف ثقة الفرد بنفسه وقد يؤدي إلى عدم تقبل الذات ويقلل من الشعور بالرضا والأمان.
8- القدرة على مواجه الواقع: يتم عن طريق حل مشكلات الواقع بشكل موضوعي واقعي بدون إضاعة الوقت.
9- إكتساب مفاهيم وإتجاهات مرغوبة: تقبل آراء الآخرين, الموضوعية, إستمرارية التعلم, إدراك وتحمل المسؤولية, التعاون, إحترام الذات, الأمانة, الشعور بالرضا, حب المناقشة, حسن الإصغاء, الطموح وغيرها.
إذا استطاع الفرد أن يكتسب هذه المفاهيم والإتجاهات يصبح أكثر قدرة على تحقيق التكيف والصحة النفسية لذاته.
صفات الشخصية السويّة هي:
الثقة بالنفس, ضبط النفس والتحكم في السلوك, الشخصية المرنة المتقبلة للآخرين, الشخصية الطموحة, الشخصية المتعاونة, الشخصية الفعالة والمؤثرة, الشخصية المقدرة للمسؤلية, الشخصية المعتمدة على الذات.
المعايير والضوابط التي تبين صفات الشخصية السوية:
1. التوازن في تلبية المطالب بين الجسد والروح:
تعني أن الإنسان السويّ هو الذي يلبي نداءات الروح والجسد على حد سواء وأن الشذوذ والإنحراف يمكن أن يوجد عند إشباع الروح على حساب الجسد أو العكس.
2. الفطرية:
تعني إنسجام السلوك مع السنن الفطرية التي فطر الله الناس عليها, فالسلوك كلما تطابق مع الفطرة أو إقترب منها كان سوياً وكلما إبتعد عنها كان شاذاً.
3. الوسطية:
وهي خيرية السلوك وفضيلته, أو هي توازن في أداء السلوك ذاته بين الإفراط والتفريط, فالإنفاق يكون بين الإسراف والتقتير, والعلاقة بالله تكون بين الخوف والرجاء, والإتجاه إلى أحد الطرفين يعد شذوذاً.
4. الإجتماعية:
وهي وجود الإنسان في وسط اجتماعي, وتجاوبه السلوكي مع هذا الوسط, وقدرته على إقامة العلاقة الإنسانية مع الآخرين. لهذه السمة ارتباط وثيق بالسمة الثانية فالإنسان إجتماعي بفطرته والإتجاه إلى الفردية أو العزلة بدون سبب ملجأ يعد شذوذاً.
5. المصداقية:
هي الصدق مع الذات ومع الناس, وتطابق ظاهر الإنسان مع باطنه, وكلما إختلف ظاهر الإنسان عن باطنه كلما كان شاذاً وإزدوجت شخصيته وهو النفاق.
6. الإنتاجية:
وهي إتجاه الإنسان إلى العمل وتحمل المسؤولية بحدود قدراته, فالعمل أو الإنجاز يعد ركناً مهماً في سواء الإنسان وصحته النفسية, بينما تؤدي البطالة والسلبية إلى الإنحراف أو الشذوذ.
ملاحظة: كما ذكرت وأذكر دائماً, بأن هدفي من الموقع ومن الكتابة هي تزويدكم بالمعلومات, هناك من يوافق وهناك من يعارض على كتاباتي وهذا منطقي جداً. ومن منطلق حرية التعبير عن الرأي وإحترام الرأي الآخر أدعوكم للكتابة والنقاش البناء للمساهمة في بناء مجتمع مثقف وحضاري.
لكل موضوع فائدة..... ومع كل فائدة متعة.....
وفي النهاية أتمنى لكم ولجميع أفراد عائلاتكم الصحة والعافية.
الأخصائي إميل سمعان
زورونا في المركز وستشعرون في التغيير